هل كان ما ينتاب النبي صلى الله عليه وسلم هي أعراض الصرع ؟
لعلنا اذا تأملنا الطاعنين بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أشفقنا عليه جداً وهو يردد أي شيء سمعه فتراه مرة يقول لك أن محمد كان من مثقفي قريش ومطلع على كل ثقافات العالم وكتبها وأديانها ، بل يخيل إليك من شدة ما يقوله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لديه مكتبة كاملة في غار حراء يطلع عليها؟
وكان أعلم من رجال الدين أنفسهم بشأن دينهم وأعلم من الأطباء والفلاسفة والحكماء والمؤرخين ليتجاوز الأخطاء التي وقعوا بها وينتقي الصحيح منها فقط، لا بل ملك من الثقافة ما استطاع به تصحيح أخطائهم وما كان رائجاً من الأخطاء العلمية والتاريخية في زمنه، ثم تراه يتناقض ويذكر التداوي ببول البعير والحبة السوداء ليقول هذه عقلية أُمي بدوي لا يعلم شيء بل مجنون؟.
وبعد هذه الحيرة والتخبط الذي اصابهم في تقرير من هو محمد ابن عبدالله تجد بعضهم ذهب مذهباً بعيداً عن هذا ليردد مقولة بعض المستشرقين بأن النبي صلى الله عليه وسلم مصاب بالصرع واستدل بحديث لحارثَ بن هشام رضي الله عنه حين سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، كيف يأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أحْيانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَة الجَرَس، وهو أَشدُّه عليَّ، فيَفْصِمُ عنِّي وقد وَعَيْتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلًا فيُكَلِّمُني فأَعِي ما يقول». قالت عائشة رضي الله عنها : ولقد رأيتُه ينزِل عليه الوَحْيُ في اليومِ الشديدِ البرْدِ، فيَفْصِمُ عنه وإنَّ جَبِينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [صحيح] - [متفق عليه]
وقد أخذ بعض المستشرقين بهذا الحديث مستدلين به للقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم مصاب بالصرع؟ ولنا عليهم قسم بالردود على أطروحاتهم بهذه المدونة إن شاءالله لتنظروا إلى المستوى غير المنطقي الذي قد يصل إليه هؤلاء ولعلنا نرد على أطروحات الإستشراقية في قسم ميمز الأسبوع لأنه المكان المناسب، فحين لم يجد الطاعنون في النبي عليه الصلاة والسلام ما يفسرون به الأعراض التي كانت تأتيه أثناء نزول الوحي فاتهموه بالصرع بدون أي دليل، مع أن الأنبياء كانت تأتيهم نفس هذه الأعراض بل انهم يثبتون نبوة محمد لا الصرع ولنأخذ بقولهم ثم نلزمهم بتفسير أعراض النبوة فما كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم من اعراض هي نفسها التي ذكرها الرهبان والقساوسىة عن انبيائهم؟ فكيف سيفسرون هذه الطامة؟
النبي اذا ما أتاه الوحي تخور طباعه وتختل بنيته
يقول الراباي موسى بن ميمون في كتابه :
"النبي إذا أتاه الوحي..بواسطة ملاك تخور طباعه وتختل بنيته ويرد عليه هول عظيم يكاد ينفطر منه"
يشعر الأنبياء بالرعب ويرتعدون عند نزول الوحي القديس كيرلس الأورشليمي
فأما القديس كيرلس الأورشليمي يشرح بالتفصيل ما يراود الأنبياء عند نزول الوحي عليهم ، ويشرح كيف يشعر الأنبياء بالرعب أثناء سماع الوحي وكيف يرتعدون ويرد عليهم هول عظيم ،.... وقد كانت تسري على نبينا صلوات الله عليه نفس الأعراض التي كانت تعرض على لأنبياء أثناء نزول الوحي ؟! بل هي أعراض النبوة.
شهادة المؤرخين على كمال وفطنة عقل النبي
لن نستطيع سرد عدد الشهادات التاريخية على فطنة وكمال عقل النبي صلى الله عليه وسلم والكثير من المؤرخين الغربيين صنفوا البي صلى الله عليه وسلم كاعظم شخصية تأثيراً في العالم وأكبر مصلح اجتماعي ومنهم المؤرخ الأمريكي«ول ديورانت» في كتابه قصة الحضارة حيث يقول: «وليس في تاريخ محمَّد ما يدل على انحطاط قوة العقل التي يؤدي إليها الصرع عادة، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء، ويزداد قدرة على التفكير، وثقة بالنفس، وقوة بالجسم والروح والزعامة، كلما تقدمت به السن، حتى بلغ الستين من العمر.
شهادة هنري دي كاستري إن ما كان يعرض على النبي اثناء نزول الوحي هي نفس أعراض الأنبياء في التوراة
أما المستشرق هنري دي كاستري يبين في كتابه أن ما كان يعرض للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء نزول الوحي هي نفس ما كان يحدث للأنبياء في التوراة أثناء نزول الوحي ، ولا يمكن أن يكون ما يحدث للنبي محمد من قبيل الصرع، فالصرع الذي كانت تعرفه العرب جيداً لم تصف به النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المستشرق إميل درمنغم يذكر في كتابه رداً على تهافت بعض المستشرقين بالقول أن نبي الإسلام مصاب بالصرع فيقول :
"والحق أن محمد كان مبرأ من مثل هذه الأمراض على الدوام ، فقد كان تام الصحة إلى أن بلغ سن الكمال ".
المستشرق رونالد بودلي يستهجن فكرةأن يكون النبي مصاباً بالصرع
أما المستشرق الشهير يقول رونالد بودلي يستهجن على بعض المستشرقين تهافتهم بالقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصابًا بالصرع فيقول: "فما كان الصرع ليجعل أحداً نبياً أو مشرعاً، وما رفع الصرع أحداً إلى مراكز التقديروالسلطان، وكان النبي بعد الوحي شديد الصفاء قوي الذاكرة وأملى القرآن بدقة عكس مريض الصرع" ثم يستطرد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وعقله ويقول "ولو كان هناك من يوصف بالعقل ورجاحته فهو محمد".
فكل الطاعنين الذين يتهافتون بالقول أن النبي صلى الله عليه وسلم أثاروا حفيظة بعض المستشرقين النصارى وقاموا بالرد عليهم بإستنكار لما فيه من ركاكة وطيش غير مدعوم بالدليل أو الحقيقو إنما كتابات تنصيرية كُتبت وخرافات سردت فيقول المستشرق مونتجمري وات : والحقيقة أن الأعراض المصاحبة للوحي عند محمد ﷺ ليست هي أعراض الصرع، فالصرع يؤدي إلى انهيار القوة البدنية والعقلية بينما كان محمد ﷺ في كامل قواه العقلية والبدنية وفي كامل ملكاته والبراهين على هذا الزعم زائفة وقائمة على الجهل ولا تصلح برهاناً لرفض الوحي
بل إن الذين استنكروا هذه المزاعم المغلوطة في حق رجل التاريخ وباني الإمبراطوريات محمد صلى الله عليه وسلم لا يمتون للإسلام بصلة وكانوا مؤرخي وأطباء نصارى، ومن أهل الإختصاص بالتاريخ ، والذين رأوا أن ما يقال ويعمل على ترويجة بالكتابات التنصيرية هي حجة سخيفة تخالف ما يقره التاريخ والواقع.
فتجد المستشرق والطبيب الألماني ماكس ميرهوف يقول صراحة في كتبه عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"إن تاريخ حياته قبل النبوة ليس فيه أي برهان لحالة الصرع المزعومة وما جاء به من تشريع وتنظيم للأمة الجديدة يعارض ذلك" أي يعارض نسبة الصرع اليه من قِبل الكتابات التنصيرية من بعض الذين ليس لهم في التاريخ فلا هم علموا أن ما كان ينابه عند الوحي هو ما كان ينتاب أنبياء التوراة ولا هم علموا أنهم بهذه الطريقة يلفتون الأنظار إلى صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بتشابه اعراضه بأعرض الأنبياء أثناء نزول الوحي عليهم .
وبالجملة فقد أنكر العلماء الغربيون المعاصرون الدارسون للإسلام وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالصرع كون التناقض الحقيقي يكمن بوصف رجل بالدهاء والحكمة في موضع ثم إتهام عقله في موضع أخر وتجاهل حقيقة أن الأعراض التي كانت تنتابه عند الوحي هي الأعراض ذاتها المذكورة في العهد القديم من الكتاب المقدس عند نزول الوحي على الأنبياء، والصورة التالية للفروق الواضحة بين الصرع وبين أعراض نزول الوحي.