JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

دلائل النبوة من التاريخ الأركيولوجي من الحضارة المصرية بالوثائق

دلائل النبوة من التاريخ الأركيولوجي

 
ولكي تعلموا هذه الحيرة التي ظهرت من المستشرقين نستعرض لكم أول اعتراض وهو دعواهم بخطأ القرآن بذكر هامان وزيرًا لفرعون لأن هامان كما يذكر سفر إستير في الكتاب المقدس كان شخصية شغلت منصب الوزير لأحشويروش ملك فارس وكان اسمه «هامان الأجاجي» وعاش في فارس بعد قرون من عصر موسى - عليه السلام، وليس وزيراً لفرعون.
ولذلك فالواجب البحث عن سبب هذه المخالفة بشكل موضوعي والتحقق من صحة سفر إستير تاريخياً أولاً، لأن معلومة أن هامان هو وزير أحشويروش ملك فارس كانت معلومة شائعة عند عوام اليهود ولا يمكن لمحمد ﷺ أن يقع بهذا الخطأ ولهذا شَغَلَ هذا الخلاف بين القرآن وسفر إستير عقول المستشرقين، وحاروا فيه كلَّ حِيْرة؛ حتى قال المستشرق الشهير ثيودور نولدكه: «لا يمكن لأكثر اليهود جَهْلًا البتة أن يجعل هامان وزير أحشويروش وزيرا لفرعون». وصرح معه دهشته هذه المنصر «ألفونس منجنا» بقوله: «مَنْ - إذن - لن يندهش عند العِلْمِ أنه في القرآن ... جُعِلَ هامان وزيرًا لِفِرْعون مكان أحشويروش». وهذه الحَيْرَة من نولدكه ومنجنا لم تكن إلا بسبب أنهما قد قررا في مؤلفاتهما مرارًا أَنَّ نبي الإسلام - كان على اطلاع واسع جداً على التراثين اليهودي والنصراني والعلم بأن هامان كان وزير ملك فارس معلومة لا تخفى على اليهودي العامي لارتباط اسم هامان بالعيد السنوي «الفوريم» بنجاة سلفهم في فارس من مؤامرة هامان ؛  فكيف لمحمد ﷺ الذي يزعمون بأنه كان مطلع على معلومات شتى لم تكن عند الأحبار أنفسهم في زمنه يقع الآن بخطأ يعلمه اليهودي العامي وله ارتباط بعيدًا يراهم يحتلفون فيه كل عام؛ وينبغي أن يُسأل كل من يضع هذا الإعتراض، فكيف يأتي نبي الإسلام بمعلومات لم يعلمها إلا الأحبار وكانت مخزنة في مخطوطات مفقودة ظهرت فيما بعد هو كان كان مطلعً عليها كما يقولون ليتهربوا من الإقرار بالنبوة والإعجاز الغيبي الذي تحدى به محمد ﷺ اليهود في زمنه بقوله تعالى {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ثم تراهم يزعمون أنه وقع بخطأ يعلمه العوام منهم في محيطه؟ فهل هو نبي الإسلام كان على اطلاع واسع أم لا؟.
وهذه الدهشة من المستشرقين ترفع الشبهة عن القرآن؛ لأن هذا الاختلاف في شأن هامان لا يُمكن أن يُرَدَّ إلى خطأ جاء بالقرآن بل بمخالفة ما كان شائع لديهم، أيًا كان أصل القرآن.
ثانياً: لا يُمكن ترجيح خطأ القرآن إلا بإثبات أن قصة سفر إستير عن هامان في فارس صحيحة تاريخياً وبغير ذلك لا تكن لهم حجة، ولكن المشكلة الآن أن هذا السفر الذي يحتجون فيه على القرآن سفر مشكوك فيه تاريخياً منهم أنفسهم، وهو السفر الوحيد الذي لم يجدوا ولو فقرة واحدة منه بين مخطوطات قمران القديمة التي احتوت على كل اسفار اليهود ماعدا سفر استير. وقد جاء في كتاب قاموس الكتاب المقدس نفي بأن سفر إستير سفر حقيقي وكتب :«وقد اكتشفت من بين لفائف وادي قمران ومخطوطاته اجزاء من كل سفر من اسفار العهد القديم فيما ماعدا سفر إستير". وكذلك صرح القس «عبد المسيح بسيط الخير» بهذا في كتابه، أي أن هذا السفر ليس موجود ضمن مخطوطات قمران تاريخياً حتى.
وتجد الأساقفة أنفسهم رفضوا هذا السفر لما احتواه من سقطات تاريخية وجاء في قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية نقلاً من موقع الأنبأ تكلا هيمانوت رفض الأساقفة الأوائل لهذا السفر وقال: «أما مكانه (سفر استير) ضمن أسفار الوحي القانونية فقد كان موضع نقاش كثير. فقد حذفه مليتو الساردسي وجرجوري النزينزي من سجلات الأسفار القانونية ورفض لوثر اعتباره ضمن الأسفار الموحى بها». 
وقال «مليتو أسقف ساردس» الذي عاصر القرن الأول إلى الثاني من الميلاد أنه ذهب إلى الشرق ليعرف عدد الكتب التي يستخدمها اليهود في فلسطين فعدد اسفار اليهود جميعها ولم يذكر سفر إستير؟ من أين جاء ومتى؟
بالرغم من أن كثيراً من النقاد والرهبان يرفضون تاريخية سفر أستير ويصفونه «بالمهزلة» من شدة السقطات التاريخية التي فيه فتجد الموسوعة اليهودية العالمية نشرت مقالاً تحت عنوان "أستير" تقول: "إن غالبية العلماء يعتبرون الكتاب بمثابة رواية رومانسية تعكس عادات العصور اللاحقة وتعطى إطارًا قديمًا لتجنب الإساءة. ويشيرون إلى أن المقاطعات الـ 127 المذكورة تتناقض بشكل غريب مع المقاطعات الفارسية العشرين التاريخية"[1].

وقد ذكر الدكتور «سامي عامري» في كتابه "شبهات تاريخية حول القرآن" اكثر 10 اعتراضات طرحها النقاد المسيحين على هذا السفر ولما رفضوه بالضبط.
وفي المكتبة المقدسة للدراسات اللاهوت وشرح الكتاب المقدس كتبت اعترافًا برفض كبار الأساقفة الأوائل لهذا السفر فقد «رفض أسقف ساردس مليتو في القرن الثاني للميلاد، ومن بعده أثناسيوس الأول بطريرك الإسكندرية وغريغوريوس النزينزي إدراج "سفر أستير" في مجموعة الحوليات المقدسة؛ وقد دخلت بالقوة إلى الكتاب المقدس المسيحي لأنه يوجد في تاريخ أحشويروش والملكة رمز الاتحاد المسيح وكنيسته، واليوم يتبنى المسيحيون واليهود سفر أستير ككل، على الرغم من انقسام النقاد حول أصل عيد (الفوريم) إلا أنهم يعتبرون الكتاب بأكمله عملاً من خيال خالص، يعود تاريخه إلى وقت لاحق من السلالة الأخمينية ويفتقر إلى أدنى اتصال بالتاريخ».
وتم نشر منذ حوالي مائة عام في الموسوعة اليهودية والتي أكدت فيه بأنه عددًا قليل نسبيًا من العلماء المعاصرين البارزين يعتبرون رواية أستير ترتكز على أساس تاريخي ... وتوصلت الغالبية العظمى إلى نتيجة مفادها أن الكتاب عبارة عن قطعة من الخيال الخالص، على الرغم من أن بعض الكتاب يصفون انتقاداتهم بمحاولة التعامل معها على أنها قصة حب تاريخية[2]. وتجد تعليق الكتاب المقدس لجمعية النشر اليهودية الأحدث صريح تمامًا بشأن المبالغة وافتقار قصة هامان في سفر إستير إلى التاريخ في سفر الكتاب المقدس، ويصف القصة في سفر أستير بأنها مهزلة: وجاء فيها: "إن محاولة أن يبدو سفر إستير وكأنه عمل تاريخي هو كلام ساخر ولا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد. لم يكن المؤلف يحاول كتابة التاريخ، أو إقناع جمهوره بتاريخ قصته"[3]. وتم تجميعه من قبل علماء الروم الكاثوليك، بتعليق جيروم للكتاب المقدس يصف كتاب أستير بأنه "قصة خيالية" تم تزيينها وتعديلها بحرية في سياق تاريخها الانتقالي.[4].

وتخيل هذا السفر الذي يعتبرونه عملًا من خيالًا خالص بل يصفونه بـ«مهزلة تاريخية» هم انفسهم يعتبرون مخالفة القرآن له خطأ تاريخي؟ فعند محاكمة القرآن اصبح هذا السفر حقيقة مطلقة، لن تستطيع الاستيعاب لكن لا بأس فهذا حال الاستشراق. وإذا كان هذا السفر محتوي على سقطات تاريخية ماذا إذا كان هامان فعلاً في زمن فرعون!. فمن أين جاء بها محمد ﷺ هذه المرة؟ 

• هامان رئيس عمال البناء

أولاً نقطة مهمة وهي أن اسم «هامان» لقب وليس اسم علم لأنه ليس من سُنَّةِ القرآنِ ذِكْر أسماء أعيان النَّاس إِلا الأنبياء، ولا يذكر أسماء غيرهم إلا في النادر، وقصة موسى دليلاً على هذا ؛ إذ لم يرد في القرآن اسم فرعون ولا اسم أم موسى - عليه السلام - ، ولا اسمُ أُختِهِ ، ولا اسمُ زَوْجِهِ، ولا اسم والدِ زَوْجِهِ ولا أسماء رجال من قوم موسى. ولذلك فالراجِح أَنَّ هامان ليس اسمَ عَلَم، وإِنَّما هو اسمُ مَنْصب، مِثْلهُ مثل لقب «فرعون» والذي يعني: «البيت الكبير». ولذلك قال ابن عاشور: «وأحسب أن هامان ليس باسم علم، ولكنّه لقب خطة مثل فرعون وكسرى وقيصر والنجاشي...» وقد جاء في كتاب «إستير» تسمية وزير «أحشويروش» ملك الفرس بـ «هامان» فظنوه اسم علم ؛ بينما القرآن لا يذكر اسماء الأعيان كما سبق، وفي سفر إستير ذاته اعتبر هامان الأجاجي العدو الرئيسي والشخصية الشريرة التي عذبت بني إسرائيل، وهذا لا يمنع من أن يكون هامان بالأصل هو لقب لوزير فرعون سمعه اليهود في مصر واستخدموا فيما بعد هذا اللقب كدلالة على منصب ولقب، ونقلوه معهم إلى بلاد الفرس في مدة السبي البابلي.
وعند التحقق من هذا نجد أن اسم هامان ذُكِّر في دعامة موجودة في "متحف كونستيستوريشس "KUNSTHISTORISCHES MUSEUM" في فينا والتي منحها نائب الرئيس المصري الى النمساوي فرديناند ماكس كهدية دبلوماسية في الزيارة الرسمية لمصر عام 1855م وأول من قام بنشر هذه الدعامة هو عالم الأثار S. Reinisch رانيش وهذه الدعامة تجدون تفاصيلها أمامكم في الصورة التالية من موقع المتحف المصري العالمي ولاحظ لثلاث نقاط: 
  • أولاً: أن موقع المتحف يشير إلى معلومات النقش ورقمه وأين هو.
  • ثانياً: أن الشرح المختصر عن هذا النقش يتحدث عن مشرف بناء آمون. 
  • ثالث نقطة وهي المهمة أن الموقع حين ذكره لاسم آمون وهيمن- حتب جعل بينهما شرطة، ثم قال تحقق من النطق الصوتي الهيروغليفي وأشار للمصدر إلى هامش رقم(2) والذي يذكر عالم الآثار وخبير المصريات الشهير ريسزينسكي.
  • Wreszinski, W., Aegyptische Inschriften aus dem k.k. Hofmuseum in Wien (1906) 130: Nr. I.34.
ويمكنك النقر على أي الصورة لعرضها بدقتها الأصلية.
وهذه صورة الدعامة بشكل واضح.
ولنعود الآن لنقطتنا الأولى حول المصدر الذي أشار إليه المتحف المصري للعالم «ريسزينسكي» فبعد قرآءة النقوش الهيروغليفية التي على تلك الدعامة نشر عالم الآثار والمصريات "ولتر ريسزينسكي" وصرح بأن الدعامة تحتوي على اسم "هامان أو خامان" وكان شخصاً مقرباً من الفرعون وهو لقب لمشرف البناء الذي وكله فيه الملك[5].
وتجدون شاهدًا لما قال به ريسزنسكي حول الترجمة للحرف الهيروغليفي التي على الدعامة كتاب العالم الألماني وعالم المصريات «هيرمان رانك» في كتابه قاموس الأسماء الشخصية في مصر "Die Ägyptischen Personennamen" ويذكر أمامكم النقش التالي باللغة الهيروغليفية ومقابلها النطق الصوتي والذي يعني اسم "هامان أو خامان" نقلاً عن العالم ريسزنسكي، ويمكنك النقر على الصورة لعرضها بدقتها الأصلية.
وهنا صورة Gif متحركة مقارنة بين الحروف الهيروغليفية الموجودة في قاموس "Die Ägyptischen Personennamen وبين الحروف الموجودة على النقش لاسم هامان ونجدها مطابقة وبشكل واضح للحرف الهيروغليفي، مما يعني أن النقش يتحدث عن هامان الذي كان مشرفاً على البناء الذي وكله فيه الفرعون.
وهذا مطابقاً لوصف قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ}.
مع العلم أن الهيروغليفية المصرية تم محوها معرفتها تاريخياً من قِبَّل الرومان وحملاتهم ضد الوثنيين في مصر بالقرن الخامس ومع استمرار حملات الإغلاق النهائي للمعابد الوثنية وحتى عهد الملك «البيزنطي جستنيان» تسبب بفقدان المعرفة كلياً بالكتابة الهيروغليفية وعلى الرغم من المحاولات التي بذلت إلا أن النص ظل غير مفكك طوال العصور الوسطى وحتى أوائل العصر الحديث من عشرينيات القرن التاسع عشر تم أخيرًا فك رموز الكتابة الهيروغليفية في  على يد جان فرانسوا شامبليون، بمساعدة حجر رشيد أي أن المعرفة باللغة الهيروغليفية كانت منعدمة والسابع وحتى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أي كتاب اسم هامان غير سفر أستير بأنه وزير "أحشويروش" ملك فارس، ولنفترض أن محمد ﷺ قرأ هذا السفر وكان يعلم العبرية ولديه ثقافة قوية من أهل الكتاب فكيف يجرؤ على القول أن هامان هو وزير فرعون ويخالف السفر الذي قرأ منه أهل الكتاب ويصيب في هذا؟ من المستحيل للنبي محمد ﷺ أن يعرف هذه المعلومات في زمنه لأنه من المستحيل ماديًا الوصول إليها، علاوة على ذلك فإن هذا يدحض أيضًا الاعتراض على نسخ القرآن للكتاب المقدس لأن الكتاب المقدس إما صامت عن هذه القضايا أو يقول عكس ذلك.

لهذا تجدون  الدكتور موريس بوكاي كتب عن هذا قائلاً: 
"لقد جاء ذكر هامان في القرآن كرئيس المعماريين والبنّائين ولكن الكتاب المقدس لا يذكر أي شيء عن هامان في عهد فرعون ‏‎وقد قمتُ بكتابة كلمة " هامان " باللغة الهيروغلوفية ( لغة مصر القديمة ) وعرضتها على أحد المختصّين في تاريخ مصر القديمة وكي لا أدعه تحت أي تأثير لم أذكر له أنها وردت في القرآن ثم عرضتها عليه وقلت إنها وردت في وثيقة عربية قديمة يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي فقال لي المختصّ : يستحيل أن ترِد هذه الكلمة في أي وثيقة عربية في القرن السابع ؛ لأن رموز الكتابة باللغة الهيروغلوفية لم تكن قد حلّت آنذاك وقد انقرضت، وعجب ثم أوصاني بمراجعة " قاموس أسماء الأشخاص في الإمبراطورية الجديدة " لمؤلفه " هيرمان رانك
 "Die Ägyptischen Personennamen" فنظرت إلى القاموس فوجدت أن هذا الاسم موجود ومكتوب باللغة الهيروغلوفية وباللغة الألمانية كذلك كما كانت هناك ترجمة لمعنى هذا الاسم وهو " رئيس عمّال مقالع الحجر " وكان هذا الاسم ، أو اللقب يطلق آنذاك على الرئيس الذي يتولى إدارة المشاريع الإنشائية الكبيرة، ‏‎استنسخت تلك الصفحة من ذلك القاموس وذهبت إلى المختص الذي أوصاني بقراءته ثم فتحتُ ترجمة القرآن بالألمانية وأريته اسم هامان فيه ، فاندهش ، ولم يستطع أن يقول شيئا 
وهذا وصف قوله تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ}
ويقول بوكاي في النهاية: من أين حصل محمد على هذه المعرفة؟ حق لبوكاي أن يسأل.
وهكذا أثبتنا بمثال واحد فقط كيف للقرآن أن يكسر حاجز الزمن الماضي ويخالف ثقافة ما هو مشهور.

بناء فرعون صرح إلى السماء

تأملوا معي حال الأب «لودوفيكو مراتشي» Ludovico Marraci وهو يحاول الطعن في مصداقية القرآن التاريخية حول رغبة فرعون في بناء صرح يطلع به إلى إله موسى، حين قال: «قد خلط محمّد القصص المقدّسة، فقد اعتبر أنّ هامان هو مستشار فرعون، بينما في الحقيقة كان مستشارًا لأخشوروش ملك فارس، كما أنه ظن أن الفرعون أمر ببناء صرح مرتفع يطلع عليه، ممّا لا شكّ فيه أنّ محمّدًا استعار قصّة الصرح هذا من قصّة برج بابل. ومن المؤكّد أنه لا يوجد في الكتاب المقدس مثل هذه القصّة عن فرعون ومع ذلك، فقد روى [محمد] قصة لا تصدق».
 لو لاحظنا لوجدنا أن أوّل عالِم لفت الانتباه إلى هذه المسألة هو الأب مراتشي، في أواخر القرن السابع عشر ثم تبعه المستشرقون من بعد وتأملوا كيف الله يخرج بهذه الشبهات اقواماً من دينه ما صدقوا معه وكيف يمكر بالحاقدين ويحول شبهاتهم بعد حين إلى دليلاً على صدق نبيه، ففي كتابات «الأب مراتشي» في القرن السابع عشر اعترف بأن الكتاب المقدس لم يذكر أن هامان وزير فرعون ولم يصرح في أي مكان حول رغبة فرعون في بناء صرح أو تواجد الطين المحروق لبناء الصرح ووصف القصة القرآنية بأنها قصة لا تصدق وغير مشابهة للكتاب المقدس، لتتلقفها كتابات المستشرقين فيما بعد.
ليأتي بعد قرنين من زمنه عالم المصريات الشهير «السير فلندرز بيتري» ويدمر كل ما كتبه مراتشي بعد دراسته للنقوش الهيروغليفية القديمة ويصرح بعدها إن فكرة صعود الفرعون برجًا أو درجًا للوصول إلى إله موسى، كما ورد في القرآن، تتوافق مع أساطير مصر القديمة حول طلب الفرعون في بناء سلم أو برج للصعود والتحدث مع الآلهة. وهذا في كتابه الحياة الدينية في مصر القديمة  "Religious Life In Ancient Egypt" ويقول :
«يقف الفرعون أمام الآلهة ويظهر سلطته يأمرهم ببناء سلم حتى يتمكن من الصعود إلى السماء . فإن لم يطيعوا فلن يكون لهم طعام ولا تقدمات .. وهو أيضاً من ينصب الآلهة على عروشها، وبذلك يثبت أن الكون يعترف بقدرته المطلقة»
 
ويصرح بعدها مباشرة بقوله: «تم التعبير عن الرغبة في الصعود إلى الآلهة في السماء من خلال الرغبة في صعود سلم»
إن فكرة بناء فرعون لبرجاً ليصل به إلى إله السماء وجدت في الكتابات الهيروغليفية في مصر القديمة، واليوم اصبحت معلومة معروفة وهذه قصة ليس لها علاقة بالقصة التوراتية عن «برج بابل» والتي يدعي مراتشي والمستشرقين الذين جاؤوا من بعده أن محمد اختلط عليه الأمر فيها.  
ولكن سؤال أين هذا الصرح الذي أمر فرعون ببنائه؟
فمن أخبرنا بقصة صرح فرعون لأول مرة في التاريخ هو القرآن الكريم ليتنبأ بمعلومة غائبة عن بال البشرية من قبل وصدق في تفاصيلها وفي ذات الآيات يقول الله تعالى عن العمارة التي كان يبنيها فرعون {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} ومن المعلوم أنه دمر كل ما بناه فرعون مثل صرح هامان وغيره، كما جاء في تفسير الطبري والتفسير والوسيط وغيره. 
أين ذهب صرح فرعون
وهنا يطرح السؤال كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة التاريخية في حين كان من المستحيل الوصول إليها مادياً بسبب انقراض اللغة الهيروغليفية قبل قرنين من نزول القرآن؟ أضف إلى هذا أنه لم يرد في أي كتاب قبل الإسلام هذه المعلومة حول رغبة الفرعون بالصعود إلى السماء فأي سفسطة غير مسحوق الصدفة السحري يمكن استخدامها هنا؟. 

الطوب المحروق في مصر القديمة

دعكم مما سبق وتأملوا قول الله تعالى {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} توجهت طعون المستشرقين والمبشرين في القرن التاسع عشر حول هذه المعلومة التاريخية لاستخدام الحضارة المصرية للطوب المحروق فالقرآن يذكر استخدام المصريين للطوب المحروق في عصر موسى، بينما في القرن التاسع عشر يؤكد فيه المستشرقين أن الطوب المحروق لم يستخدم في مصر القديمة قبل العصر الروماني، مثل إدورد ويليام لين حين كتب مؤكداً بشكلاً جازم:«ولذلك نطلق سراحنا لإبلاغهم أنه لا يوجد هيكل واحد معروف من الطوب المحروق من أقصى مصر إلى الطرف الآخر، قبل فترة السيطرة الرومانية، ولذلك فقد تم إيداع هذه القطع من الطوب المحروق بعد العصر المسيحي»
تجدون هذا التأكيد من المستشرقين وعلماء الآثار في القرن التاسع عشر والذين امتلكوا المعارف والكتب وامتلأت ايديهم بأتربة الآثار وهم ينفون تواجد الطوب المحروق في الحضارة المصرية القديمة قبل العصر الروماني عبر دراستهم، مثل عالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو في كتابه دليل علم الآثار المصرية "Manual Of Egyptian Archaeology" حين قال:«ولم يكن الطوب المحروق يستخدم كثيرًا قبل العصر الروماني ولا البلاط سواء المسطح أو المنحني» وتجد كل المستشرقين يقتبسون من هذا الكتاب الصادر عام 1885م للطعن بالتاريخ القرآني فيما بعد. وكذلك من العرب من تلقف هذه الطعون الاستشراقية مثل الدكتور عبد المنعم أبو بكر في كتابه «تاريخ الحضارة المصرية» والذي صرح فيه أن هناك اشكال حول استخدام الطين المحروق في الحضارة المصرية

وهذه كسابقتها تماماً فبعد قرن من الزمان أتى القرن العشرين وتحديداً عند صدور كتاب «|| Tanis» لعالم المصريات البريطاني «فرنسيس غريفيث» ليؤكد وجود الطوب المحروق بعد حوالي خمسين عامًا من حكم توت عنخ آمون، وفي حكم رمسيس الثاني (1279-1212ق.م) خلال عهد الأسرة التاسعة عشر (عهد الرعامسة) في مصر أي في زمن نبي الله موسى، وتم التنقيب في موقع نبيشة - دلتا النيل ليكتشف بناء إحدى أقدم المقابر التي تم افتتاحها في نبيشة من الطوب الأحمر المحروق، ويرجع تاريخها مرة أخرى إلى الأسرة المصرية التاسعة عشرة ويقول في كتابه:«أقدم مقبرة تم افتتاحها كانت مبنية من الطوب الأحمر المحروق، تقريبًا في أقصى شرق المقبرة... قد يرجع تاريخه إلى الأسرة التاسعة عشرة . كما أن أسلوب الأوشابتي يتوافق تمامًا مع تلك الفترة؛ وبعض قطع الجرانيت المطاوع الموجودة في هذه المقبرة تتفق مرة أخرى مع فترة الرعامسة إن استخدام الطوب الأحمر في هذه المقبرة، وفي المقبرة التالية التي سيتم وصفها والتي هي أيضًا في عهد الرعامسة، له أهمية كبيرة»
وكذلك عالم الآثار «أي. جيفري سبنسر» له كتاب كامل تحت اسم «العمارة من الطوب في مصر القديمة كلاسيكيات أوكسبو في علم المصريات» Brick Architecture in Ancient Egypt (Oxbow Classics in Egyptology) والذي صدر عام 1979م، وهو عبارة عن وصف تفصيلي ودراسة شاملة اجراها للهندسة المعمارية المبنية من الطوب في مصر القديمة مع إشارة خاصة إلى المسائل الفنية والهيكلية يقول في كتابه:«ومما سبق يجب أن نستنتج أن الطوب المحروق كان معروفاً في مصر في جميع العصور، ولكنه استخدم فقط عندما كانت متانته تعطي ميزة خاصة على الطوب اللبن»
وفي عام 1930م وجدت عالمة المصريات والآثار «نينا دي جاريس ديفيز » "Nina de Garis Daviesفي الجدار الجنوبي لمقبرة رخمير رع بوادي النبلاء بمصر السفلى «رسم جداري» يعود للأسرة المصرية الثامنة عشرة مرسومة على جدران مقبرة رخمير توضح خطوات صناعة الطوب المحروق، يعود هذا الرسم الجداري لعهد تحتمس الثالث - أوائل أمنحتب الثاني لعام 1479ق.م وتوثق فيها مشاهد صناعة الطوب المحروق في مقبرة رخمير رع. وهذه الرسوم موجودة في متحف «متحف متروبوليتان للفنون» The Metropolitan Museum of Art ويمكنك المطالعة على كافة الرسوم الجدارية هذه عبر موقع وكالة «Alamy» البريطانية للتصوير الفوتوغرافي من هنا.
والآن تخيل معي ولنرتب ما سبق بشكلاً واضح، هناك حفنة من علماء الآثار «في القرن التاسع عشر» مع كمية المعارف التي في زمنهم من كتب ومخطوطات وبعثات ميدانية لمصر ثم دراسة كتابات تلك البعثات مع معرفة متوفرة لمعاني الحروف الهيروغليفية ومع كل تلك الوسائل والإطلاع الواسع الذي امتلكوه يصرحون بعدم استخدام المصريين القدماء للطين المحروق قبل العهد الروماني! بل ينفون تواجده قبل العهد الروماني ليستخدم المبشرين فيما بعد هذه المعلومات للطعن بمعلومة قال بها رجل أُمّي في صحراء مكة في «القرن السابع» ليتضح بعد قرن من زمن هؤلاء الطاعنين أن ما اخبر به محمد ﷺ في القرن السابع كان صحيحاً.
وإذا كنت لا ترى أن هذا يقطع بالوحي الإلهي لمحمد ﷺ فيلزمك أن تقول بأن «محمد ابن عبدالله» الذي عاش في صحراء مكة في القرن السابع كان عالم آثار محنك أشد علماً من علماء القرن التاسع عشر الذين امتلكوا ما امتلكوه من كل تلك المعارف المتوفرة وجهلوا بما علمه رجل في «صحراء مكة» مع العلم بأنه جازف وكان أول من يذكر هذه المعلومة الغائبة في أي ادبيات من قبله، يمكنك هنا ببساطة استخدام مسحوق الصدفة السحري فهو إيمان ويقين المنكرين. ويكفي أن تتأمل مكر المستشرقين ومكر الله وكيف انقلب هذا المكر على رؤوسهم ليثبت صدق نبوته.

إدعاء فرعون الألوهية إن هو إلا وحي يوحى

قال تعالى : {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ(24)}
قال تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي (38)}
لم تذكر التوراة «إدعاء فرعون للأُلوهية» وخالفها القرآن في ذلك، وهذا من أنباء الغيب الذي تفرد به الخبر القرآني عن أي كتابًا في زمنه ولن تجد نصًا في التوراة أو الإنجيل يذكر إدعاء فرعون الألوهية كمعضلة لمن يسأل، فهذه الآيات من أقوى دلائل النبوة، إذ أن الخبر القرآني هذا جاء من رجل في صحراء في ظل غياب تام للنقوش الهيروغليفية في بال البشرية في زمنه مع غياب أي أدبيات قبله تذكر هذا الخبر، فلو كان محمد نقل من الكتاب المقدس ومن احبار اليهود كما يزعمون فلما أضاف معلومة تاريخية غير موجودة في تلك الكتب وجعلها محور القصة في الكتاب الذي جاء به؟ ويتحدث عنها مراراً وتكراراً بل مدار قصة القرآن عن موسى وفرعون هو ادعاءه للألوهية وأنه طغي بهذا القول وبلغ مبلغاً شديداً، فكيف يمكن تفسير إضافة محمد ابن عبدالله لهذا الخبر غير الموجود في عصره أو عصر من سبقوه وجعله موضوعاً رئيسياً في كتاب «القرآن» الذي يدعي هو بأنه «وحي من الله واخباراً له عن أنباء الغيب» وكيف له أن يخاطر بهذه المعلومة ويكررها أكثر من مرة وكأنه متأكداً منها؟ 
هذا الخبر وحده يقطع بصدق النبوة بعد الشواهد والنقوش التي تم ظهرت في «القرن العشرين» وتحديداً مطلع عام 1905م وركزوا علي هذا التاريخ لأنه مهم جداً عند الحديث عن ارتباك المستشرقين. 
فتجد «ديفيد بي سيلفرمان» وهو أستاذ علم المصريات ورئيس أمين متحف جامعة بنسلفانيا للآثار والأنثروبولوجيا يقول في كتابه"الدين في مصر القديمة": «بحلول أوائل الدولة الحديثة، أصبح تأليه الملك الحي ممارسة راسخة ، ويمكن عبادة الملك الحي نفسه وطلب المساعدة منه كإله»
وتجدون البروفيسور وعالم المصريات الشهير «نجيب قنواتي» مدير المركز الأسترالي للدراسات المصرية بجامعة ماكوري في أستراليا. يقول في كتابه ”Conspiracies in the Egyptian Palace”: «بالنسبة للمصريين، لم يكن الملك بشرًا عاديًا لأنه جمع بين الكيانات البشرية والإلهية، كان همزة الوصل بين الإنسان وعالم الآلهة في الحياة والآخرة كان الملك يمتلك كل شيء وكان مصدر كل السلطات، كان مركز كل الوجود».
ويكشف الفحص المدروس لمجموعة مختارة من مصادر الآثار من عصر الدولة الحديثة مثل البرديات والكتابات الهيروغليفية والأيقونات المرتبطة بها، أن الفرعون كان يعتبر إلهًا حيث ادعو أن روح الإله تتجسد بالفرعون، وكان يشرع لقومه ما يعبدونه من آلهة أخرى اعتمادًا على طاعتهم له، تم تلخيص هذا بشكل جيد وواضح بعد العثور على نقوش في مقبرة الوزير الشهير رخمير رع تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة في عصر الدولة الحديثة.  يحتل النقش الجدار الطرفي الجنوبي لمقبرة رخمير رع ويتكون من 45 سطرًا من الكتابة الهيروغليفية مطلية باللون الأخضر على سطح من الجبس.
وتجدون ترجمة عالم المصريات وعالم الآثار الهولندي «هينري فرانكفورت» لهذا النقش في كتابه قائلاً: «تكمن السلطة العظيمة لشخصية الفرعون في الآثار الدينية للمملكة المصرية، تم التعبير عنها بإيجاز عندما كتب الوزير رخمير رع في قبره: «ما هو ملك صعيد مصر العليا والسفلى؟ إنه إله بمعاملاته يحيا المرء. [هو] الأب والأم لجميع الرجال، وحيدًا بذاته لا نظير له»
بالنسبة الى رخمير رع كان ملك مصر إلهًا يعيش الإنسان بأمره وليس له مثيل وهذا يؤكد أن المسؤولين في مصر القديمة كانوا يعتبرون فرعون هو إلههم الرئيسي، مما يؤكد بشكل غير مباشر قول فرعون لرؤسائه، كما ورد في القرآن، إنه لم يكن يعلم لهم إلهاً إلا نفسه، وكذلك يضيف رخمير رع أن الحاكم مثل مصر كان يتمتع بصفات إلهية مثل المعرفة المطلقة والخلق. فيقول في هذا لنقش: «صاحب الجلالة يعلم ما يحدث في الواقع لا يوجد شيء يجهله ..... إنه يغير الخلق إلى تنفيذه مثل الإله الذي يأمر وينفذ»
وفي ترجمة بردية "أنسطاسي الثانية" التي ترجع إلى زمن مرنبتاح خليفة رمسيس الثاني تذكر هذه البردية "مدح مسكن الدلتا" لملوك الرعامسة، والأمر المثير  في هذه البردية هو ذكر المكانة الرفيعة لرمسيس الثاني.
وتُظهر اللوحة رقم 410 في متحف هيلدسهايم «Hildesheim Museum» شخصين أحدهما يقف مرتديًا التاج المزدوج مع الصولجان، وتنورة قصيرة، وقلادة، ويحمل في يد واحدة ما يسمى بالمنديل أو الختم ويُلقب: «ملك مصر العليا والسفلى، رب الأرضين رمسيس مريمون الإله» ويمكنك أن تجد هذه اللوحة في موقع «المتحف المصري العالمي» من هنـا.
كان هذا هو التأليه المفرط لرمسيس الثاني حتى أنه تم تصويره في أحد النقوش وهو يعبد نفسه الإلهية، وهذا في لوحة المعبد الكبير في «أبي سُنبل» وهو المظهر العجيب لِعُلُو قَدْرِ رمسيس الثاني؛ حيث يَعْبُدُ رمسيس الثاني رمسيس الثاني وهي ذاته الإلهية.
وهنا السؤال هل يمكن استخدام مسحوق الصدفة السحري في كل مرة وفي كل خبر غيبي؟ هل محاولة التهرب من التكليف وتخدير الوعي بأن «لا إله ولا بعث» يستحق كل هذا العناء؟ هل عبادتك لشهوات النفس وهوها يستحق كل هذا الإعتراض على ما هو واضح؟. 

اعتراض المستشرقين يثبت دليل النبوة
من شدة صدمة المستشرقين وتحيرهم ذهب أمثال «فريدريك تشارلز كوبليستون» في القرن العشرين في كتابه «Jesus Christ Or Mohammed» وبعد اكتشاف النقوش الهيروغليفية للقول أن هذه الآية بالأصل مقتبسة من المدارش الأجادية «مدراش تنحوما - Tanhuma Yelammedenu» و «مدراش خروج رباه - Exodus Rabbah» والمدارش الأجادية ببساطة هي نصوص مضافة كمواعظ للعهد القديم والتي كتبها الشراح عبر أزمنة متفرقة وتتكون من المواعظ التي ألقوها في المعابد، واتبعوا فيها الأسلوب الأجادي أو الشرح القصصي على سبيل الوعظ، ويمكن أن نقول أنها أقرب إلى تفاسير ظهرت مضافة للعهد القديم بشكل متفرق زمنياً. 
والنص التالي الذي من «مدراش تنحوما» الفصل 14 هو ما زعم المستشرقون بأنه مصدر محمد:  
«وقال الرب لموسى: بكّر في الصباح وقف أمام فرعون، فإذا هو خارج من الماء" (خروج 8: 16). لماذا ذهب فرعون إلى الماء في الصباح الباكر؟ لأن الشرير كان يفتخر بأنه إله لا يحتاج للذهاب إلى الماء لقضاء حاجته، لذلك خرج في الصباح الباكر لئلا يراه أحد وهو يقوم بعمل مهين....»

أولاً: تأملوا معي بتركيز لتعلموا لما نسميها بالصدمة وتهافت الرد، ففي القرن السادس عشر وما قبل اكتشاف « أدلة إدعاء فرعون للألوهية» وتحديداً عام 1225م يصرح أمثال الحاخام اليهودي الكبير «ناخمانيدس» في القرن الثالث عشر «أن تكوين هذه المدارش في موعد لا يتجاوز أوائل القرن الثالث عشر» ثم تجدون الحاخام اليهودي «ليوبولد زونز» وهو خبير المدارش اليهودية في كتابه «Die Gottesdienstlichen Vorträge der Juden» يصرح ببساطة أن «مدراش خروج رباه» بأكمله يعود تأليفه إلى «القرن الحادي عشر أو الثاني عشر»  فأحبار اليهود قبل اكتشاف أدلة ألوهية فرعون قبل القرن العشرين تجدهم مقرون أصلاً أن هذه المدارش تم تاليفها مابين القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر!!، ليأتي لنا كوبليستون وغيره من المستشرقين بالقرن العشرين من هول الصدمة وبعد اكتشاف النقوش الهيروغليفية حول تأليه فرعون ليقولوا أن محمد أخذها بالأقل من مدارش كتبت بعد موته بأربعة إلى ثلاثة قرون؟ لتعلموا صدق قوله تعالى {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} والحزن على حالهم؟
ومن ناحية أخرى دعوى المستشرقين هذه قد ابطلت نهائياً، فيعتبر «موشيه ديفيد هير» وهو الأستاذ الفخري في التاريخ اليهودي في الجامعة العبرية في القدس أن «مدارش خروج رباه» بعد إجراءه تحليلًا لغويًا له بأن هذا الجزء الذي يذكر فيه ألوهية فرعون لا يرجع إلى ما قبل «القرن العاشر الميلادي»، وبالمثل أستاذته هانوخ ألبيك أستاذة التلمود الحاخامي في الجامعة العبرية والأكاديمية الحاخامية ترى كذلك أنه يعود إلى القرن العاشر، وكذلك يرى البروفيسور أفيغدور شينان الأستاذ الفخري في قسم الأدب العبري وعميد الجامعة العبرية بأن «مدارش خروج رباه الجزء الأول يعود أصله إلى القرن العاشر الميلادي».
ويرى العديد من العلماء المعاصرين أن تكوينه يرجع من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر. وكذلك في ”موسوعة أكسفورد للدين اليهودي“ بحجمها تقول: «مدارش خروج رباه هو تنقيح متأخر نسبيًا في القرن العاشر تقريبًا لمواد المدراشية التي تم العثور عليها غالبًا في مدراش تنحوما إلى الخروج ... تم الاستشهاد بهذا المدارش لأول مرة من قبل مؤلفي إسبانيا في القرن الثالث عشر».
وبشكلاً عام يعود بداية تأليف «أدب تنحوما» كما يذكر كتاب تاريخ تفسير الكتاب المقدس كأقصى تقدير إلى «أوائل القرن التاسع».
ثانيًا: هذه المدراش ببساطة هي تفسير لسفر حزقيال فأين ذكر سفر حزقيال إدعاء فرعون الألوهية؟. وبشكل أبسط لماذا لم يحضروا النص الذي اقتبسه محمد في القرن السابع من التوراة؟.
 إن المتأمل لتاريخ الاستشراق والمبشرين يمكنه أن يَستشعِّر ما عانوه حقاً أمام براهين النبوة لدرجة أنك ستجدهم يكررون ما قد تم الرد عليه من طرح إلى اليوم بل ستجدون في نهاية المقال كيف تهافتت ردودهم للقول بأن محمد شخصية خيالية بسبب عدم مقدرتهم على استيعاب كيف عرف كل هذه المعارف في صحراء مكة واعترافهم بأنفسهم أن القرآن لا يمكن بأنه قد كُتّب بيئة صحراوية بالقرن السابع ورجحوا أنه كُتّب في القرن التاسع بعد حركة الترجمة العباسية للحضارات المختلفة، وهذا اعتراف ضمني منهم بأن القرآن معجز، وخاصة حين ترون هذه الآمال في دعواهم عن القرآن تسقط في عام 2009 عند اكتشاف مخطوطات تعود لعصر الصحابة وتتحول شبهاتهم إلى حجة للوحي وينقلب كيدهم عليهم. 

مصطلح فرعون وملك 

من المثير للاهتمام عند ذكر القرآن لقصة يوسف لم يشر أبدًا إلى أن حاكم مصر في تلك الفترة يلقب بالفرعون بل أطلق عليه اسم الملك في حين أنه عند ذكر قصة موسى ذكر بوضوح اسم فرعون ! بينما في الكتاب المقدس يدعو ملك مصر في عهد يوسف وعدو موسى بكلا الفترتين باسم فرعون ؟ قد يفكر المرء انه لا توجد مشكلة هنا ، باستثناء أنه عندما نحاول تحديد مكان يوسف في التاريخ، نجد أن السلالة الحاكمة لمصر في ذلك الوقت كانت في الواقع الهكسوس الذين كانوا ساميين عرب واستخدموا مصطلح ملك ولم يستخدموا مصطلح فرعون الذي كان يستخدمه المصريون الأصليون لحكامهم، وكان حاكم مصر في عهد موسى مواطنًا مصريًا حل محل الهكسوس وبدأ في قمع سبط إسرائيل [إذا كان محمد قد نسخ الكتاب المقدس] فلماذا لم يقع في هذا الخطأ التاريخي؟  ومن أين حصل على مثل هذه المعلومات الدقيقة؟  لم تكن هناك جامعات بها أقسام لعلم المصريات في ذلك الوقت وقد ضاعت معرفة النقوش الهيروغليفية منذ مئات السنين ، ولم تُعرف مرة أخرى حتى اكتشاف حجر رشيد قبل سنوات هذا يجعل الجزء الثاني من المعلومات أكثر روعة. 

الإعجاز الغيبي باعتقاد المصرين ببكاء السماء

تجدون في مخطوطة تقول فيها ترانيم وداع الفرعون "البلاد والأراضي تبكي عليك ، إن المناطق تحزن عليك ، بقدر ما أنت هو الذي يستيقظ في الصحة ؛ السماء والأرض يبكيان عليك بقدر ما أنت أعظم من الآلهة"
كان اعتقاد المصريين القدماء أن السماء تبكي على موت ملوكهم ويذكر عالم الآثار والمصريات والمؤرخ الأمريكي جيمس هنري بريستد James Henry Breasted في الصفحة 87 من كتابه فجر الضمير The Dawn of Conscience أن من  الشعائر الجنائزية عند المصريين القدماء كانت مكتوبة بالهيروغليفية (التصويرية) التي تقام عند موت الملك وهي كالتالي: ”إذ يقول المحزونون على الملك: «السماء تبكي من أجلك، والأرض تزلزل من أجلك.»“
وفي كتاب نصوص الهرم لعالم المصريات الأنجليكاني صموئيل ألفريد براون يذكر بعض ترجمة النقوش الجنائزية للمصريين القدماء التي كانت تقام عند موت ملوكهم وهي تقول كالتالي : 
1365 - [السماء تبكي عليك من أجلك الأرض ترتجف.]
1355 - المرأة تندب عليك ؛  يحزن عليك مين العظيم.
1366 - تهيج القدمين لك، تلوح الأيدي لك ،
1366 - عندما تصعد الى السماء كنجم الصباح.
1367- جاءك (ن) إليك ، أبوه ؛  جاء اليك يا جب.
1367 - أتحد بأمواتك يا آلهة 
1365 - [السماء تبكي عليك من أجلك الأرض ترتجف.] 1355 - المرأة تندب عليك ؛  يحزن عليك مين العظيم. 1366 - تهيج القدمين لك، تلوح الأيدي لك ، 1366 - عندما تصعد الى السماء كنجم الصباح. 1367- جاءك (ن) إليك ، أبوه ؛  جاء اليك يا جب. 1367 - أتحد بأمواتك يا آلهة
ثم تأمل بعد هذا قول الله تعالى في سورة الدخان بعد اهلاك فرعون: ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ۝ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۝ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ۝ كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ۝ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ۝﴾ فهل كان النبي ﷺ يخمن هذا ردًا على اعتقادهم  "أن السماء ستبكي عليه والأرض سترتعد"  على موت فرعون وملأه أم أنها صدفة عابرة ينبغي علينا تركها الآن ونقاش لماذا تزوج عائشة بعمر التاسعة ولماذا لم يذكر الديناصورات أم تراه استخدم الانترنت مرة أخرى من شعاب مكة 
وملاحظة : لم يذكر اعتقاد المصريين ببكاء السماء على ملوكهم لا في الكتاب المقدس ولا في عاديات اليهود ولم تذكر إلا في النقوش الهيروغليفية ومعلوم أن حجر رشيد Rosetta Stone وهو مفتاح حل لغز الكتابة الهيروغليفية المصرية اُكتشف عام 1799م على يد الضابط/الملازم بيير فرانسوا بوشار أثناء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت ثم تم فك رموزها عام 1822م على يد العالم والمختص في علم اللغة المستشرق الفرنسي جان فرانسوا شامبليون  (مع العلم أن هناك علماء مسلمين قد سبقوا شامبليون إلى فك رموز اللغة الهيروغليفية المصرية ـ أو بعضها على الأقل مثل ذي النون المصري وابن وحشية النبطي وغيرهم.

• ذكر الأقفال في عهد يوسف

قال تعالى عن امرأة العزيز {وَرَٰوَدَتْهُ ٱلَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلْأَبْوَٰبَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} وهذا عند ما حاولت مراود يوسف عليه السلام وقال وغلقت الأبواب مما دل أن هناك أقفال ويوسف عاش قبل عهد الدولة الجديدة في مصر أي قبل ١٥٣٠ ق.م
ولفترة طويلة كان يظن علماء الآثار أن الأقفال اختراع يوناني أصيل بعد مئات السنين من عهد يوسف ولم يوجد في مصر القديمة كما يذكر المصدر.
 ولكن أثبت التاريخ أنها صنعت منذ ٤٠٠٠ سنة في الحضارة السومرية وأخذها المصريون القدماء وتقول موسوعة المعارف البريطانية "Encyclopædia Britannica" إن الأقفال صُنعت في الحضارة السومرية ثم أُخذت للحضارة المصرية وتخيلوا فقط لو أن الحضارة المصرية لم تعرف الأقفال زمن يوسف ألن يكون هذا مطعناً من قِبل المخالفين؟ ولكن هنا عند كسر القرآن لحاجز الزمن تعلمون ما هو الرد المعتاد انها صدفة رجلًا في صحراء.  

• حِيرة المستشرقين دليلاً أيضاً

إلى الذين يعشقون اليوتيوب ولم يستوعبوا مافي هذا المقال من عظمة الدليل وقوة البرهان، وإلى الذين لم يفهموا بعضًا مما نكتب لتقصيرهم بالإطلاع ولأن لديهم عشقاً لمتابعة المعلومات السهلة عبر اليوتيوب ورفضًا داخلي مسبق لكل ما يطرح، وتؤرقهم براهين النبوة كرهاً للتكليف الإلهي، كما ارهقت ألباب المستشرقين من قبلهم. 

• الحل الأول أطروحات الإقتباس

مرورًا «بأبراهام جيجر» الذي قال أن القرآن مقتبس من كتب اليهود وانتقالاً إلى شيخ المستشرقين الألماني «ثيودور نولدكه» والذي اقترح أيضاً أن محمد ابن عبدالله يجب أن يكون مطلعًا على كتب وأسفار أهل الكتاب والأديان التي قبله بأنواعها ولغاتها واسفارها وطوائفها واختلاف ترجماتها بشكل واسع جداً جداً كما يقول!، مما يخيل إليك أنه يتحدث عن دائرة استشراق كاملة مخزونة في رجل واحد، بل مكتبة متحركة على هيئة رجل في صحراء مكة، ومن شدة التخبط تجدهم في كتاباتهم يقولون أن هذا الرجل الذي احتوى على مكتبة متحركة من المعارف وكان نابغة زمانه مصاب بذات الوقت بالجنون والصرع في تناقضً شديد.
بينما تجدون «ستيفن شوميكر» خبير الدراسات القرآنية المعاصر وهو أستاذ الدراسات الدينية في جامعة أوريغون ومؤلف كتاب «نشأة القرآن دراسة تاريخية نقدية» الصادر من مطبعة كاليفورنيا عام 2022م - اليوم يلخص معترفاً بالمعضلة التي يحاول نولدكه ومستشرقيّ القرن التاسع عشر تبريره حول امكانية صناعة نص مثل القرآن في القرن السابع قائلاً: «هناك عدد من المشاكل المستعصية فيما يتعلق بإفتراض أن القرآن بأكمله يجب أن يكون مستمداً من فم محمد في مكة والمدينة المنورة في المقام الأول للإشكال كانت مكة في حياة محمد مكاناً نائياً وصعباً في الصحاري القاحلة في غرب شبه الجزيرة العربية ووفقاً لدراسة حديثة كان العدد المحتمل لسكان مكة في ذلك الوقت حوالي خمسمائة أو نحو ذلك، مع حوالي مائة وثلاثين رجلاً بالغاً حراً فقط يبدوا أن سكانها من الرعاة غير المتعلمين كانوا معزولين تماماً عن العالم الأوسع البحر الأبيض المتوسط القديم وبلاد مابين النهرين، من الواضح أن هذه القيود الثقافية والإقتصادية تثير تساؤلات عميقة حول الإرتباط التقليدي لنص مثل القرآن مع قرية معزولة مثل مكة، بينما يتطلب محتوى القرآن جمهوراً غارقاً في المعارف اليهودية والمسيحية القديمة ... لا يوجد في هذا الصدد أي دليل على وجود مسيحين في اي مكان بعيد بالقرب من مكة أقرب مجتمع معروف كان على بعد أكثر من 900 كيلومتر من الواضح ان هناك المزيد من أصول القرآن مما يذكره التقليد الإسلامي اللاحق حيث أن مكة ومحمد ومدينته لا تبدوا قادرة على إنتاج مثل هذا النص الديني العالمي للغاية»
وقد ناقش الدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه «دفاع عن القرآن ضد منتقديه» مزاعم المستشرقين هذه حول الإقتباس وقال: « لكي نفترض صحة هذه المزاعم، فلابد من أنّ محمداً كان يعرف العبرية، والسريانية، واليونانية، ولا بدَّ من أنه كان لديه مكتبةٌ عظيمةٌ، اشتملتْ على كل الأدب التلمودي، والأناجيل المسيحية، ومختلف كُتُب الصلوات، وقرارات المجامع الكنسية، وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين، وكُتُب مختلف الكنائس، والمِلَل، والنِّحَل المسيحية».
إن الاستنتاج السابق للدكتور عبدالرحمن بدوي هو الذي توصلت إليه المستشرقة المسيحية «جويل بوشامب» مع عالم الآثار والمستشرق الفرنسي «كريستيان روبن» منذ أكثر من أربعة عقود حيث اعترافا صراحة بأنه: «لم يكن هناك مجتمع مسيحي حقيقي في مكة والمدينة».
وينطبق الإستنتاج ذاته على أعمال المبشر وخبير تاريخ الإسلام المبكر «سبنسر تريمنغهام» والذي صرح في نهاية بحثه الطويل إلى أن: «المسيحية في أي من أشكالها المتاحة لا يمكن أن يكون لها أي تأثير على سكان مكة أو أفكار محمد (حول القصص) المسيحية لأنه لم يكن هناك مجتمع مسيحي متاح لمراقبته». وهذا ما أكدته عالمة اللاهوت والأستاذة الفخرية في جامعة فرايبورغ «تيريزا هينثالر» في آخر كتاباتها مؤخرًا بأنه: «لا توجد أي دلائل على وجود تقاليد مسيحية أصلية حقيقية في مكة ولا توجد دلائل على وجود منظمة كنسية في تلك المنطقة لذا لم يتمكن محمد من الحصول على أي معلومات عقائدية موثوقة عن الإيمان المسيحي». وإذا اعترتك الدهشة فتمهل لتجد اعتراف المحاضر الشهير وأستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة يورك «هاري مونت» معترفاً بالمجهود المبذول دون جدوى لإثبات صناعة النص القرآني من كتابات أهل الكتاب في مكة والمدينة قائلاً: «قد تم تكريس جهد كبير حقاً في الدراسات الحديثة لمحاولة إثبات وجود المسيحيين في الحجاز حول مكة والمدينة، ولكن يجب القول أن الأدلة المقدمة عادة على وجودهم في تلك المنطقة لا تزال ضعيفة».
هل تشعر الآن بالقلق وتملأُك الحيرة والرفض؟ بأن هناك انتقاء أو مغالطة خفية في الكلام السابق؟ اقصد تمني أن يكون كذلك لتتهرب من التكليف الإلهي؟ تشعر أنه يجب أن يكون هناك تدليس؟ هل تستشعر أن ما كتبناه كله انتقاء كرز لدعم حجة النبوة؟ صدقني الشهادات السابقة ليست مني بل هي الصفحة رقم (249) من كتاب "نشأة القرآن دراسة تاريخية نقدية" لأستاذ الدراسات القرآنية ستيفن شوميكر ذو الخليفة المتشككة ضد الإسلام، يمكنك رؤية الصورة هنا.
ليسوا هؤلاء وحدهم من اعترفوا بهذا فقد اعتراف أيضاً المبشر المسيحي «توماس باتريك» صراحة بعدم وجود دليل على اطلاع النبي على الكتاب المقدس قائلاً: «لا يوجد دليل في القرآن أو الأحاديث على أن محمد قد رأى أو أطلع على الكتاب المقدس، وقد تحدث القرآن عن الكتب المقدسة المسيحية على أنها الإنجيل والتوراة» وذكر «توماس باتريك» هذا بعد ذكر قصة ورقة بن نوفل وأن النبي لم يقضي معه وقت كافي حتى يتعلم منه كل هذا شفهياً.
وكما ذكر المؤرخ اليهودي «اسرائيل ولفنسون» في كتابه تاريخ اليهود في بلاد العرب الصفحة 114 :«وكان العرب يجهلون الديانة اليهودية و يقولون لليهود " لكم علم ليس لنا» ليفهم القارئ إن دعوى اقتباس محمد للقصص القرآنية من اليهود والنصارى أو سماع هذه القصص من الأسواق انتهت اليوم، هم فعلاً تخلوا عن هذه الأطروحة وانتقلوا للقول أن محمد شخصية خيالية، وقلة من يحاولون التمسك بدعوى الإقتباس ممن لا يأبه بعبء الإثبات متوسلين بها، أو كما يقول الكتاب: «في الواقع لقد سعى العديد من العلماء بشدة إلى أي دليل يمكن أن يوافق بين المحتوى المسيحي الهائل للقرآن وأصوله التقليدية في الحجاز دون جدوى وفي أحسن الأحوال  يلجؤون إلى الأدلة الخاصة بالمسيحية على بعد مئات الأميال في أماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية متوسلين بأنه على هذا الأساس يجب أن نفترض أن المسيحية لا بد أن تكون قد رسخت نفسها بقوة في وسط الحجاز، على الرغم من الغياب التام لأي دليل على ذلك وأيضًا المسافات الهائلة التي ينطوي عليها الأمر».
«في الواقع لقد سعى العديد من العلماء بشدة إلى أي دليل يمكن أن يوافق بين المحتوى المسيحي الهائل للقرآن وأصوله التقليدية في الحجاز دون جدوى وفي أحسن الأحوال  يلجؤون إلى الأدلة الخاصة بالمسيحية على بعد مئات الأميال في أماكن أخرى في شبه الجزيرة العربية متوسلين بأنه على هذا الأساس يجب أن نفترض أن المسيحية لا بد أن تكون قد رسخت نفسها بقوة في وسط الحجاز، على الرغم من الغياب التام لأي دليل على ذلك وأيضًا المسافات الهائلة التي ينطوي عليها الأمر».
لأن أطروحة الإقتباس لا تفسر غزارة الخبر القرآني وعمق وصفه لتقاليدهم الدينية، واخبروهم بهذا المقال في كل عصر، أن ما يكتبونه عن اقتباس النبي من «بحيرة الراهب» - «وورقة بن نوفل» أو عبر «سماعه لهذه القصص من لأسواق» يقابل بالسخرية اليوم من خبير الدراسات القرآنية «ستفين شوميكر» ويسمي هؤلاء الذين زعموا بأنهم قاموا بتعليم محمد بـ"حفنة من المتحولين المعزولين" لأنهم بالأصل عاشوا في البيئة المعزولة ذاتها وتحولوا من الوثنية لليهودية فيقول: «ليس من المستغرب أن نجد أنه لا يوجد في مكة ولا المدينة أي سكان مسيحيين جديرين بالذكر، فقط حفنة من المتحولين المعزولين، الذين في ظل وجودهم في المقام الأول، لا يقدمون أي شيء قريب من خطاب التنصير المطلوب لتفسير الآيات العديدة من القرآن والتي تتحدث عن مختلف التقاليد المسيحية، إن معرفة القرآن بالتقاليد المسيحية التي يتوقعها من مستمعيه تتجاوز بكثير المعرفة الهامشية والمجزأة التي قد تأتي (أو يتعلمها المرء) من مجرد محادثات مع الجار أو السوق، وحتى لو افترضنا أن بعض المبشرين قد زاروا مكة والمدينة من قبل - دون جدوى، فهذا لن يكفي لتفسير عمق المعرفة التي يفترضها القرآن لمستمعيه».
«ليس من المستغرب أن نجد أنه لا يوجد في مكة ولا المدينة أي سكان مسيحيين جديرين بالذكر، فقط حفنة من المتحولين المعزولين، الذين في ظل وجودهم في المقام الأول، لا يقدمون أي شيء قريب من خطاب التنصير المطلوب لتفسير الآيات العديدة من القرآن والتي تتحدث عن مختلف التقاليد المسيحية، إن معرفة القرآن بالتقاليد المسيحية التي يتوقعها من مستمعيه تتجاوز بكثير المعرفة الهامشية والمجزأة التي قد تأتي (أو يتعلمها المرء) من مجرد محادثات مع الجار أو السوق، وحتى لو افترضنا أن بعض المبشرين قد زاروا مكة والمدينة من قبل - دون جدوى، فهذا لن يكفي لتفسير عمق المعرفة التي يفترضها القرآن لمستمعيه»
بل يقول إذا كان تواجدهم بإفتراض يفسر بعض التقاليد اليهودية فهذا لا يفسر معرفته بالمسيحية المعدومة في مجتمعه، قائلاً بعدها : «إن القرآن ينحدر من وسط الحجاز في القرن السابع، وهي منطقة لا نعرف عنها سوى القليل خلال هذا الوقت، فإن ما يمكن أن نعلمه عن الحجاز في تلك الفترة لا يتناسب مع إنتاج نص مثل القرآن وبكل المؤشرات».
«إن القرآن ينحدر من وسط الحجاز في القرن السابع، وهي منطقة لا نعرف عنها سوى القليل خلال هذا الوقت، فإن ما يمكن أن نعلمه عن الحجاز في تلك الفترة لا يتناسب مع إنتاج نص مثل القرآن وبكل المؤشرات».
فدعوى اقتباس محمد ﷺ من ثقافة أهل الكتاب المحيطين به دوماً مبنّية عن عجز وتهرب المستشرقين بإفتراضات خيالية والتي لا تجد ما يثبته عقلاً أو نقلاً تاريخياً، وتسقط عند أول سؤال، وقد اعترف أستاذ الدراسات المسيحية المبكرة في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية «سيدني إتش جريفيث» بهذا في كتابه "كتب أهل الكتاب بلغة الإسلام" قائلاً: «ولكن في الوقت الحالي يجب القول أنه من خلال الأدلة المقدمة حتى الآن، لا يوجد حتى أساس مؤكد لدعم الفرضية القائلة بأنه قبل ظهور الإسلام كان المسيحيون الناطقون بالعربية يمتلكون نسخة مكتوبة باللغة العربية من الكتاب المقدس، أو أجزاءً منه كالأناجيل أو المزامير».
سيدني إتش جريفيث» بهذا في كتابه "كتب أهل الكتاب بلغة الإسلام" قائلاً: «ولكن في الوقت الحالي يجب القول أنه من خلال الأدلة المقدمة حتى الآن، لا يوجد حتى أساس مؤكد لدعم الفرضية القائلة بأنه قبل ظهور الإسلام كان المسيحيون الناطقون بالعربية يمتلكون نسخة مكتوبة باللغة العربية من الكتاب المقدس، أو أجزاءً منه كالأناجيل أو المزامير».
وكذلك اعترف المستشرق والمبشر المسيحي «إدوارد سيل» بهذه الحقيقة بمرارة وكتب قائلاً: «لا يوجد دليل أن محمد كان لديه أي معرفة عملية بكتاب العهدين القديم والجديد».
اعترف المستشرق والمبشر المسيحي «إدوارد سيل» بهذه الحقيقة بمرارة وكتب قائلاً: «لا يوجد دليل أن محمد كان لديه أي معرفة عملية بكتاب العهدين القديم والجديد».
فهذه الدعوى مملوءة بالعجز والتخبط، وقد عبر المؤرخ والصحفي السويسري الشهير «روجر دو باسكير» عن هذا العجز والتخبط للأطروحات الاستشراقية أمام تفسير معضلة ظهور [القرآن] في القرن السابع قائلاً: «كانت المعجزة المركزية للإسلام ولا تزال الوحي القرآني، حتى يومنا هذا لم يقدم أحد تفسيرًا يمكن الدفاع عنه لكيفية تمكن تاجر قوافل أمّي في أوائل القرن السابع، بقدراته الخاصة، من إنتاج نص بمثل هذا الجمال الفذ، والقدرة على إثارة المشاعر، والذي احتوى على المعرفة والحكمة التي كانت أعلى بكثير من الأفكار السائدة بين البشر في زمنه، إن الدراسات التي أجريت في الغرب والتي حاولت تحديد "المصادر التي استخدمها محمد" أو تسليط الضوء على الظاهرة النفسية التي مكنت من إستلهام مؤلفه من "اللاوعي" أظهرت شيئًا واحدًا فقط: معاداة الإسلام والتحيز لمؤلفيها».
وحتى اذا وُّجِدت بعض القصص المتشابهة مع الإنجيل والتوراة فالقرآن بالأصل يؤكد هذه الحقيقة في معظم آياته بأنه يُنبئهم بما في كتبهم وهو عين الإعجاز الذي أسلم الناس به في زمنه، فكيف يفسر العاقل تجاوز محمد ﷺ لتلك الأخطاء التاريخية الموجودة في كتبهم، بل كيف يقبل عاقل أنه جاء بطرح تاريخي مخالف وجديد عما سبقه ويَصدُّق فيه، هل الإنتزنت في شعاب مكة هو السبب. لتعلم لما يجب عليك أن تتخلى عن اطروحة الإقتباس كما تخلى عنها المستشرقون وتبدأ بأطروحات التاريخ المبكر للإسلام وتقول بأن محمد شخصية خيالية إذ أن الإعتراف بوجود محمد وحده هو اعتراف بنبوته. 

• الحل الثاني شخصية خيالية وصناعة عباسية

نحن نعلم المعاناة حقاً في استيعاب أن نصًا مثل القرآن يتنبأ بأخبار كتبًا غير متوفرة في بيئته وزمنه قد ظهر في القرن السابع على يد رجل أُمّي في صحراء مكة المعزولة ثقافياً، وخاصة أن التحدي القرآني لأهل الكتاب في زمنه كان بأنه يتنبأ بما في كتبهم من قصص واحكام يخفيها الأحبار والرهبان فهذا الإعجاز ليس مستحدث في هذا العصر كالإعجاز العلمي المتكلف بل ما نطرحه الآن مما كان حجة على نبوة محمد ﷺ واستخدمها القرآن مع أهل الكتاب، ونعلم يقينًا هنا لما قام المستشرق «جون وانسبرو» هو وتلاميذه «باتريشيا كرون» مع «مايكل كوك» بتأسيس أطروحة "تاريخ الإسلام المبكر" والأطروحة التحريفية للإسلام عام 1977م - محاولاً التهرب من مأزق الوحي في معضلة مصادر القرآن وعدم مقدرتهم على تفسير كيفية جمع تلك المعارف المتفرقة والأخبار والأنباء في بيئة معزولة وهذا ما عبر عنه وانسبرو قائلاً: «إن ثراء الخبر الديني لدى أهل مكة في القرن السابع لم يكن كافيًا ليخرج القصص القرآني بكل هذا التفصيل».
إن أطروحة «جون انسبرو» من أكثر الأشياء التي يجب طرحها اليوم للإستدلال على نبوة محمد ﷺ لأن فيها اعترافهم بإستحالة معرفة النبي ﷺ لكل تلك المعارف المتفرقة والتي جهلها الرهبان حتى في القرن السابع، ومنها يجب أن يكون ملمًا باللغات الآرمية والعبرية والسريانية واليونانية والهيروغليفية ومطلعًا على مكتبات ومخطوطات وكتبً شتى لم يعلم عنها الأحبار والرهبان في زمنه، وينتهي القول بأنه كان يمتلك مكتبة ضخمة تحتوي على معارف جهل عنها الأحبار انفسهم، بينما هو أُمّي ولا يمكن للأُمّي أن يتلقى كل هذه المعارف عبر التلقين لأنها كانت شبه منعدمة في محيطه كما عرضنا اعتراف شوميكر سابقاً، عوضًا عن تصحيح هذا الرجل الأُمّي لما يسمعه وانتقاءه للأخبار الصحيحة فقط وتجاوزه لأخطاء الكتاب المقدس عبر فلتر تاريخي، ونسأل ببساطة من أين لرجل أُمّي في صحراء مكة القاحلة في القرن السابع بكل هذه المعارف التاريخية والغيبية والدينية؟
إن المتأمل لتاريخ الاستشراق يمكنه أن يَستشعِّر ما عانوه حقاً أمام براهين النبوة وتخبطهم إلى اليوم فالمنكرين ما زالوا عالقين بكتابات الاستشراق في القرن التاسع عشر، ولأن خيار أن القرآن وحيًّ من رب السماء يستحيل البوح به ولا يريدونه أن يكون كذلك، ستجدهم بعد اعترافهم بإستحالة صناعة النص القرآني بالقرن السابع يقترحون في نهاية هذه الأطروحات أن القرآن كُتِّب متأخراً بالقرن التاسع مع نهضة الترجمة في العصر العباسي وتمت اضافة تلك المعارف إليه لاحقاً وأن القرآن لم يكتب في زمن محمد بل إن محمد شخصية خيالية بالأصل!.
وهذا الاقتراح الصادم الذي جاء به المستشرق الأمريكي «جون وانسبرو» عام 1977م هو وتلاميذه - أثر على الكتابات الاستشراقية من بعده بشكل كبير فظهرت أطروحات مثل الهاجرية لباتريشيا كرون ومايكل كوك، وأطروحة أن مكة في البتراء لدان جيبسون، واصول القرآن السرياني لكريستوف لوكسنبرغ، ومجمل الرد على كل هذه الأطروحات أن جميعها يرتكز كلياً على استكمال ما طرحه وانسبرو في حِيرَة وتسقط بسقوط أطروحته هذه. 
وتجدون تلخيص سبب قول «جون وانسبرو» لهذه الأطروحة بما كتبه أستاذ الدراسات الإسلامية والقرآنية في كلية اللاهوت في جامعة شيكاغو «منعم سري» في كتابه "الخلافات حول الأصول الإسلامية" قائلاً: «بما أن القرآن يحتوي على العديد من المعلومات الجدلية، خاصة ضد اليهودية والمسيحية، فيبدو من غير المحتمل أن يكون هذا الكتاب المقدس قد ظهر في مكة، (البيئة) لا يمكن أن تقدم سوى فرصًا قليلة أو معدومة لهذا النوع من (المعلومات) الجدلية، لهذا يجادل (جون وانسبرو) بأنه لا بد أن يكون هذه النص قد تطور في "بيئة طائفية" توحيدية في مكان ما في بلاد ما بين النهرين أو سوريا حيث كانت المجتمعات اليهودية والمسيحية تنخرط في نقاشات حادة ... بينما اقترحت باتريشيا كرون ومايكل كوك عام 1977م. أن القرآن: "ربما كان نتاجًا لبيئة شمال الجزيرة العربية أو جنوب الجزيرة العربية السورية وليس بيئة مكة"».
«بما أن القرآن يحتوي على العديد من المعلومات الجدلية، خاصة ضد اليهودية والمسيحية، فيبدو من غير المحتمل أن يكون هذا الكتاب المقدس قد ظهر في مكة، (البيئة) لا يمكن أن تقدم سوى فرصًا قليلة أو معدومة لهذا النوع من (المعلومات) الجدلية، لهذا يجادل (جون وانسبرو) بأنه لا بد أن يكون هذه النص قد تطور في "بيئة طائفية" توحيدية في مكان ما في بلاد ما بين النهرين أو سوريا حيث كانت المجتمعات اليهودية والمسيحية تنخرط في نقاشات حادة ... بينما اقترحت باتريشيا كرون ومايكل كوك عام 1977م. أن القرآن: "ربما كان نتاجًا لبيئة شمال الجزيرة العربية أو جنوب الجزيرة العربية السورية وليس بيئة مكة"».
إن المتأمل لهذه الحَيْرَة والتخبط أمام تفسير شدة الإخبار التاريخي والديني الذي في القرآن يُعلّم القارئ مدى إعجاز هذا الكتاب، نعم هذا هو الحل الوحيد أمامهم وأمامك لتفسير علم القرآن بمعتقدات وطوائف وأخبار العالم القديم وأديانه بمختلف لغاته، ولأن البيئة الثقافية في مكة والمدينة لا تدعم أطروحة اقتباس محمد من محيطه (بالرغم من تمسك بعضهم بهذه الأطروحة واعترافهم بعدم وجود دليل علها صراحة)، لعدم توفر ترجمات عربية لأسفار الكتب المقدسة إلا بأواخر القرن الثامن إلى التاسع بعد ترجمتها على يد «حنين بن اسحاق» وغيره، لهذا تجدون هذا الاقتراح من وانسبرو بمنشأ الإسلام مع النص القرآني بشكل متأخر في إتجاه الشمال حيث المناطق الثقافية لحضارة ما بين النهرين، وتجد اعتراف أستاذة اللغات السامية وتاريخ الشرق الأدنى «ريبيكا هاسلباخ» مع زميلها المؤرخ وأستاذ تاريخ الشرق الأدنى «فريد ماكجرو دونر» في كتابهما "الشرق الأدنى الإسلامي في العصور القديمة المتأخرة والعصور الوسطى" الصادر من المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو. اعترافاً يمكننا أن نسطره كشهادة من متشككيّن بالنص القرآني يصرحان فيه بأن الكتاب المقدس لم يترجّم للعربية إلا في أواخر القرن الثامن وأن قولهم بوصول محمد لكتبهم لا دليل عليه بصراحة مع ذكرهما أيضاً أن القرآن خالف غالبية الثقافة والقصص الشائعة عن أهل الكتاب.
«وكما ذكرت سابقًا، فإن القرآن يدرك جيدًا نصوص كلاً من الصحف والزبور والكتب غير العربية التي تم فيها تسجيل الكتب المقدسة من نصوص (أهل الكتاب) للكتاب الأوائل، ولا يبدو من المستبعد أن نفترض أن نسخًا منها بلغاتها الشرعية كانت في أيدي السلطات الدينية بين اليهود والمسيحيين الناطقين بالعربية في جمهور القرآن. لكن لا يوجد دليل متاح يشير بشكل موثوق إلى أن أي جزءً منها كان متداولاً بالترجمة العربية في أوائل القرن السابع الميلادي».
لتعلموا أن أطروحة الإقتباس عبر سماعه أو قرآءة كتبهم مدحوضة منهم أنفسهم اليوم وباعترافات شتى غير التي ذكرناها سابقاً والمتمسكين بأطروحات الاقتباس هم متمسكين بها دون دليل، فقط لأنها حل يريح العقل من الحَيْرَة وعبء التكليف الإلهي ولو عنى هذا استنشاق جرعات من الوهم والإعراض عن الحق.
«تشير جميع الأدلة المتاحة إلى أن الترجمات العربية الأولى للكتاب المقدس إلى اللغة العربية قد تم إنتاجها، بدءًا من منتصف القرن الثامن فصاعدًا، خارج شبه الجزيرة العربية، عندما أصبحت اللغة العربية لغة مشتركة لجميع الشعوب التي تعيش تحت سيطرة الخلافة الإسلامية».
وما وصفه شوميكر حول أن الكتابات الأكاديمية اليوم حول القرآن ما تزال عالقة بكتابات القرن التاسع عشر قاصدًا لأطروحات الإقتباس مثل التي جاء بها أبراهام جيجر وأكملها نولدكه كان حقيقياً، فقد انتهت الى الاعتراف بعدم وجود دليل وهي تُنفى باليوم سبعين مرة بشهادات لا تحصى. 
«لم يكن ليغيب عن انتباه المستمعين أو القراء اليهود والمسيحيين الأوائل للقرآن أن الكتاب المقدس الإسلامي يتمتع بدرجة عالية من الوعي (لنصوص أهل الكتاب) وأن عرضه للتقاليد الكتابية وتناوله لقصص البطاركة والأنبياء وروايات الكتاب المقدس بقراءة تتعارض بشكل ملحوظ مع ما كان شائعًا داخل أيً من مجتمعاتهم».
وقد اختصر «ستيفن شوميكر» شرح استحالة صناعة نص القرآن بما يحتويه من معلومات في بيئة مكة في القرن السابع قائلاً: «لا يوجد أساس لإفتراض أن سكان هذه الأماكن (مكة - المدينة) كانوا إما متعلمين جيدًا أو على دراية عميقة بالتقاليد الثقافية لليهودية والمسيحية في العصور القديمة المتأخرة، ولهذا السبب، يبدو أكثر منطقية أن نفترض أن أي اتصال ثقافي مهم بين أتباع محمد الأوائل وعالم العصور القديمة المتأخرة لا بد أنه حدث في مكان ما خارج وسط الحجاز، ولهذه الأسباب إلى حد كبير افترض علماء مثل «ميخائيل كوك» «وباتريشيا كرون» «وجون وانسبرو» «وهوتينج» وآخرون أن بدايات الإسلام يجب أن تكون قد حدثت في مكان أبعد بكثير إلى الشمال».
«لا يوجد أساس لإفتراض أن سكان هذه الأماكن (مكة - المدينة) كانوا إما متعلمين جيدًا أو على دراية عميقة بالتقاليد الثقافية لليهودية والمسيحية في العصور القديمة المتأخرة، ولهذا السبب، يبدو أكثر منطقية أن نفترض أن أي اتصال ثقافي مهم بين أتباع محمد الأوائل وعالم العصور القديمة المتأخرة لا بد أنه حدث في مكان ما خارج وسط الحجاز، ولهذه الأسباب إلى حد كبير افترض علماء مثل «ميخائيل كوك» «وباتريشيا كرون» «وجون وانسبرو» «وهوتينج» وآخرون أن بدايات الإسلام يجب أن تكون قد حدثت في مكان أبعد بكثير إلى الشمال»  
ويحتد الإشكال في حيّرة المستشرقين وارتباكهم فخيار أن القرآن وحيًّ من رب السماء مرفوضً بتاتاً ولأن هذا الخيار مرفوض تجد اقترح المستشرق «نيكولاي سيناي» لحل هذا الإشكال أنه يجب علينا أن نُحيِّل بنشأة القرآن الى عالم العصور القديمة المتأخرة كما قال «جون وانسبرو» أو يجب علينا إدخال العالم الثقافي للعصور الشمالية بأكملها في مكة وهذا يعني جعل مكة معلماً ثقافياً لم يحدث في الأندلس ليتمكنوا من استيعاب أن النص القرآني قد تم إنتاجه هناك، وهذا مستحيل!. 
وقد عبر عن هذا «ستيفن» قائلاً: «يجب علينا أن نفترض أحد الأمرين وكلاهما إشكالي أحد الخيارات هو نقل القرآن على الأقل في جزءً منه، من وسط الحجاز إلى عالم العصور القديمة المتأخرة، كما اقترح وانسبرو وكرون وآخرون. وبخلاف ذلك، فإن البديل الوحيد هو استيراد الغطاء الكامل للثقافة الدينية القديمة والمتأخرة إلى الحجاز، كما يفترض في أعمال نيوورث وزميلتها، وعلى سبيل المثال، يدعو نيكولاي سيناي بشكل مباشر إلى إدخال العالم الثقافي للعصور القديمة المتأخرة بالكامل في الحجاز، من أجل جعله يتصور أن النص القرآني قد تم إنتاجه هناك».
بل تجدون شوميكر يرفض أطروحة وانسبرو حول إنكار جود محمد التاريخي ويرفض أطروحة نولدكه وجيجر حول إطلاع محمد الواسع جداً للأديان في صحراء معزولة مثل مكة ولأن خيار أن: «القرآن وحيًّ من رب السماء خيارًا محرم» لم يعترف «شوميكر» بالنبوة ولكنه افتراض أن الصحابة هم من أضافوا بعض النصوص التي كانت منعدمة المعرفة في مكة في عصر النبي في القرون التالية وقال يجب أن نسمح بمثل هذا الإفتراض لأن: «مثل هذا الإفتراض الديناميكي والمتعدد التكافؤ ضروري لفهم التاريخ المبكر لنص معقد وغامض في طبيعته مثل القرآن»
وبعيداً عن الرد على هذا الاعتراض لاحقاً، ألا تثير دهشتكم هذه الاعترافات بعد التخبطات والحَيْرَة؟ فهؤلاء القوم مستعدون ليكتبوا أي افتراض واعتراض حتى لو كان بتواصل النبي ﷺ مع حضارة فضائية متطورة، ما يهم أن يستبعدوا أن كتاب محمد ابن عبدالله كان وحيًا من رب السماء في القرن السابع «يقص عليه من أنباء ما قد سبق» وجعله كتابًا يُعلِّم قارئه إعجاز خبره إلى قيام الساعة، هم لا يريدونه أن يكون وحيًا لهذا سيقدمون بعد الاعتراف أي اقتراح آخر دون دليل ولو عنى انكار وجوده، لأنهم يعلمون أن الحل الوحيد لإنكار الوحي والنبوة يكون بالتشكيك بوجود محمد التاريخي والتشكيك بزمن كتابة النصوص التي ادعى محمد بأنها وحيِّ من الله بأخبار الطوائف والأُمم السابقة، وقد عبر عن هذه المحاولة اليائسة والحاجة المُلّحة للتشكيك المستشرق «هارالد موتسكي»  تلخيصاً لمساعي «جون وانسبرو» قائلا: «إذا تم قبول نظرية وانسبرو، فلا توجد طريقة لإثبات أي شيء من الوحي أو حياة محمد التاريخي من القرآن أو السيرة أو التفسير أو الحديث، إن البحث عن الحقائق التاريخية في هذا النوع من الأدب سيكون أمرًا لا يمكن تفسيره».

• كيف سقطت أطروحة وانسبرو

أعلم أنك حالما تعترف بوجود محمد في القرن السابع هو إقرار بنبوته، لهذا يجب أن تترك هراء «أخذها محمد» الذي قد أنتهى أجلها، وتتمسك بكونه «شخصية خيالية» بآمال حالمة، ولكن هذه الآمال أيضاً قد سقطت في دعواهم عن القرآن في عام 2009 عند اكتشاف المستشرق الفرنسي «فرنسوا ديروش» وهو أبرز علماء المخطوطات القرآنية اليوم، لمخطوطة باريس والتي تعود إلى عصر الصحابة، فقال في كتابه معلقاً على أطروحة «انسبرو» بعد هذه المخطوطة: «صحيح أن جون وانسبرو قد دافع عن فكرة أن النص (القرآني) - كما نعرفه - قد دُوّن بصورة متأخرة، واقترح نهاية القرن الثامن كأقرب تاريخ ممكن لهذه العملية. ولكن الآثار المادية الباقية لنسخة مكتوبة (للقرآن) تتوافق مع النسخة العثمانية يرجع تاريخها على أبعد تقدير إلى نهاية القرن السابع، وقد استبعدت بشكل قاطع مثل هذا الاحتمال(يقصد الذي قال به وانسبرو)».
ولقد انتهت اطروحة جون وانسبرو نهائياً في عام 2015 بعد اكتشاف مخطوطة برمنجهام بالرغم من أن الكثيرين مازالوا يتحدثون عنها عبر اليوتيوب وكأنهم يعيشون في عالم موازي، وقد نشر «إميليو بلاتّي» الأستاذ الفخريّ في جامعة لوفان الكاثوليكيّة مقالاً له على موقع معهد الدومينيكان للدراسات الشرقية. بعد سنتين من اكتشاف مخطوطة برمنجهام يصرح فيها بإنتهاء اطروحة وانسبرو وتلاميذه قائلاً: «بعد اكتشاف مخطوطات القرآن القديمة للغاية، وبعد تاريخ مخطوطة برمنجهام بين عامي 568م وعام 645م. يرفض العلماء اليوم أطروحة جون وانسبرو حول التاريخ المتأخّر لتدوين القرآن والّذي قام باقتراحه في كتابه دراسات قرآنيّة عام1977م. أنظر أيضاً إلى (تلاميذه) «باتريشا كرون» «ومايكل كوك» في كتابهما "الهاجريّة" اللذين اقترحا أنّه لا دليل لوجود أيّ مصحف قبل نهاية القرن الهجري الأول/والسابع الميلادي. يبدو الآن (بعد اكتشاف هذه المخطوطات) أن التأريخ الأفضل يجب أن يكون أقرب إلى منتصف القرن الأول الهجري/والسابع، الميلادي أو حتى قبل ذلك».




وبعد كل ما استعرضناه فلتعلم أن أمر النبوة لا يستقر في قلب المكابر ابداً لهوى في نفسه ويمكن أن يرد على أي دليل بأعذار واهية تبرر مالا سبيل لتبريره او ترمى بسفسطة لا أساس لها لتتبع هوى النفس في غيها وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : «واعلم أنه ما من حقٍّ ودليلٍ إلا ويمكن أن يَرِدَ عليه شُبه سوفسطائية؛ فإن السفسطة: إما خيالٌ فاسد ، وإما مُعاندةٌ للحقِّ وكلاهما لا ضابط له؛ بل هو بحسب ما يخطر للنفوس من: الخيالات الفاسدة، والمعاندات الجاحدة» فيمكن أن يرد المكابر على المعجزات حتى بقوله "إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ" ولا يكفي أهل الأهواء الدليل مهما كثر ، ليس لأنه لم يجد بل لأنه لا يريد. 


[1] "Esther", The Universal Jewish Encyclopaedia, 1941, Volume 4, The Universal Jewish Encyclopaedia Inc.: New York, p. 170.
[2] "Esther", The Jewish Encyclopaedia, 1905, Volume V, Funk & Wagnalls Company: London & New York, pp. 235-236.
[3] A. Berlin, The JPS Bible Commentary: Esther, 2001, The Jewish Publication Society: Philadelphia, pp. xxvii-xxviii.
[4] R. E. Brown, J. A. Fitzmyer & R. E. Murphy (Eds.), The Jerome Biblical Commentary, 1968, Volume I (The Old Testament), Geoffrey Chapman: London (UK), pp. 628-629.
[5] W. Wreszinski, Aegyptische Inschriften Aus Dem K.K. Hof Museum In Wien, 1906, J. C. Hinrichs’sche Buchhandlung: Leipzig, I 34, p. 130 
الاسمبريد إلكترونيرسالة